العنف الالكتروني وكيفية التعامل معه

العنف الالكتروني وكيفية التعامل معه
العنف الالكتروني
الكاتب: فريق التحرير
التاريخ: أغسطس 17, 2024

في زمننا هذا، يعيش كل فرد منا في عالمين متوازيين؛ عالم حقيقي يمارس فيه حياته بجسده وتفاعلاته الحسية، وعالم افتراضي يدخله عبر هاتفه الذكي واتصاله بالشبكة، ولا يقل هذا العالم الافتراضي أهمية عن العالم الحقيقي، حيث أصبح يعكس الواقع من خلال الأجهزة والكاميرات، فكما نجد العمل والتواصل والعلاقات في العالم الحقيقي، نجدها أيضاً في العالم الافتراضي، وكما نجد الجرائم والعنف والأذى في الواقع، نجد أيضاً تلك التجليات المؤلمة في العوالم الرقمية.

فقد بات العالم الافتراضي يشكل عالماً موازياً لعالمنا الحقيقي، حيث يشهد تفعيل الأفعال والتفاعلات بشكل مشابه، ويحمل معه الفضيلة والرذيلة كما تحملها الأرض. يعد العنف الإلكتروني تجسيداً رقمياً للعنف البشري، حيث انتقلت أعمال الأذى والابتزاز والسرقة إلى العالم الرقمي، مسببة أضراراً وأذية لا تقل قسوة وتأثيراً عن الشكل التقليدي للعنف، وفي هذه المقالة سنناقش العنف الإلكتروني وكيفية التعامل معه، لتسليط الضوء على هذه الظاهرة التي تنتشر بسرعة بين المنصات الرقمية، محملة بالكوارث والمآسي للأفراد، كما لو أن مصائب الحياة الحقيقية لم تكن كافية.

ما هو العنف الإلكتروني؟

تكمن الإجابة عن هذا السؤال في تعريف مفهوم العنف الإلكتروني (العنف السيبراني) الذي يشير إلى مجموعة الجرائم والانتهاكات التي يرتكبها البعض ضد الآخرين باستخدام شبكة الإنترنت، إذ يعتبر العنف الإلكتروني استغلالاً غير أخلاقياً للشبكة العنكبوتية لإلحاق الأذى العاطفي والمادي والجسدي والمعلوماتي بالأفراد. يعتبر العنف الإلكتروني ظاهرة جديدة نشأت بفعل توسع استخدام الإنترنت في مختلف جوانب الحياة بطرق قوية وحساسة، مما أدى إلى نقل المشكلات والسلوكيات الضارة إلى العالم الافتراضي.

وبالتالي، يشير العنف الإلكتروني إلى استخدام أفراد معينين أو جماعات متحالفة لاستغلال الأنظمة الذكية وشبكات الإنترنت لتهديد سلامة أفراد محددين وإلحاق الضرر بهم، سواء على الصعيد الاقتصادي أو النفسي أو الجسدي أو الجنسي أو الاجتماعي أو المهني، كما يشمل العنف الإلكتروني اختراق خصوصية الأفراد والتشهير بهم أو الكشف عن نقاط ضعفهم أمام الجمهور، ويتّسم أيضاً بالتعقيد والسوء أكثر من العنف المباشر.

ما هي أسباب العنف بشكل عام؟

تتشابه أسباب العنف سواء كان مباشراً أو إلكترونياً، فهي تتألف من مجموعة من العوامل النفسية والفكرية والاجتماعية التي تؤدي إلى انحراف الإنسان عن طبيعته السلمية وتعزز رغبته في ممارسة الشر والأذى والعنف.

تصنف أسباب العنف الإلكتروني كما يأتي:

  1. الدوافع النفسية، والصدمات التي يعاني منها الشخص في طفولته، والضغوط الاجتماعية هي مجموعة عوامل تؤثر على تكوين شخصية الفرد وتسبب تشوهات في طبيعته الأصلية، مما يدفعه إلى ممارسة العنف.
  2. عندما يفتقر الأشخاص إلى الحكمة في التعامل مع الظروف والمواقف المحبطة، يميل بعضهم إلى اللجوء إلى العنف كوسيلة لاستعادة حقوقهم أو للرد على الأشخاص الذين أساؤوا لهم.
  3. يعتبر انتشار الفقر والبطالة والفوارق الاجتماعية عاملاً وسبباً يؤدي إلى العنف، حيث يثير في النفوس مشاعر الحقد والغيرة والظلم.
  4. إضافةً إلى ذلك، انعدام الثقة بالنفس والشعور بالنقص والحرمان والإحباط يعتبر أيضاً من الأسباب التي تدفع الأشخاص للعنف.
  5. الفهم الخاطئ لمبادئ الحرية وحرية التعبير، وسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، يسهمان أيضاً في زيادة حالات العنف.
  6. ومن الأسباب التي تؤدي إلى العنف تسلط الحكومات وقمعها للأفراد وتقييدها للحريات، وارتكاب انتهاكات وملاحقات للمعارضين لها.

أنواع العنف الإلكتروني:

هناك أنواع مختلفة من العنف الإلكتروني، ومن بينها:

1. التحرش الإلكتروني:

يُعتبر التحرش الإلكتروني أحد أشكال العنف الإلكتروني الشائعة جداً، إذ يتم في هذا النوع من العنف استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لابتزاز الضحايا وتهديدهم بالعنف، ونشر مواد تسبب لهم التشهير والإحراج في الأوساط الاجتماعية أو المهنية. وعادة ما تكون هذه المواد صوراً شخصية جداً للضحية، والتي يحصل عليها الجاني عن طريق التلاعب أو الاختراق أو تزويرها باستخدام تطبيقات تعديل الوسائط المتعددة.

وفي بعض الحالات، يحاول الجاني استغلال أرقام هوية أو حسابات بنكية أو معلومات شخصية لمقايضتها بممارسة إباحية مع الضحية. يُطلق على هذا النوع من العنف الإلكتروني الانتقام الإباحي أو الابتزاز الجنسي، وهو ما يشغل اهتمام المتخصصين في هذا المجال.

2. انتهاك خصوصية بيانات المستخدمين:

يتضمن هذا النوع من العنف اختراق أجهزة المستخدمين والوصول إلى بيانات غير مصرح للآخرين بالوصول إليها، يشمل ذلك الاطلاع على البيانات الشخصية للمستخدمين أو سرقتها أو التلاعب بها، بالإضافة إلى الحصول على نسخ منها أو نشر المعلومات الشخصية أو ممارسة المطاردة والتلاعب بها عبر الإنترنت.

3. الجرائم الإلكترونية:

تُصنف الجريمة الإلكترونية ضمن أشكال العنف الإلكتروني، وتشمل تعطيل المستخدمين من الوصول إلى بياناتهم الشخصية أو استخدام أجهزتهم التي تم اختراقها، بالإضافة إلى الوصول غير المصرح به إلى البيانات السرية والحساسة، يُعتبر هذا النوع من العنف الإلكتروني خطراً كبيراً، حيث يمكن أن يتسبب في تعريض الأفراد لأضرار جسدية جسيمة.

على سبيل المثال، عندما يتم الوصول إلى قاعدة بيانات مستشفى وتعديل سجلات المرضى أو التلاعب بها، يمكن أن يتسبب ذلك في حدوث أخطاء علاجية قاتلة. وبالمثل، عندما يتم الوصول إلى قواعد بيانات حركة المطارات وأنظمة المرور والتلاعب بها، يمكن أن يؤدي ذلك إلى وقوع حوادث مروعة تؤدي إلى فقدان أرواح العديد من الأشخاص.

نتائج العنف الإلكتروني:

يمكن أن يكون العنف الإلكتروني تجربة مروعة وله عواقب وخيمة على الضحية، تشمل بعض النتائج المحتملة للعنف الإلكتروني ما يلي:

  1. الضرر النفسي: يمكن أن يؤدي العنف الإلكتروني إلى الشعور بالقلق والاكتئاب والخوف، وقد يتسبب أيضاً في مشاكل نفسية أكثر خطورة مثل الاكتئاب الشديد أو اضطراب ما بعد الصدمة.
  2. الضرر الاجتماعي: يمكن أن يؤدي العنف الإلكتروني إلى فقدان العلاقات الاجتماعية، كما يمكن أن يؤدي إلى العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة.
  3. الضرر المالي: يمكن أن يؤدي العنف الإلكتروني إلى فقدان الوظيفة أو الفرص التعليمية، وقد يتسبب أيضاً في مشاكل مالية أخرى مثل الديون أو الإفلاس.

في الحالات القصوى، يمكن أن يؤدي العنف الإلكتروني إلى الانتحار، ووفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة “بيرسون”، وجد أن 38٪ من ضحايا العنف الإلكتروني يفكرون في الانتحار، و16٪ قد حاولوا الانتحار.

كيفية التعامل مع العنف الإلكتروني:

إليك بعض أفضل طرق التعامل مع العنف الإلكتروني:

  1. تفعيل قوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية: للتصدي للعنف الإلكتروني بشكل فعال، يجب على الحكومات وضع قوانين تجرم جميع أشكال السلوك الإلكتروني التي تنتهك خصوصية الأفراد وتهدد أمانهم، يشمل ذلك القدح والشتم والتشهير والتنمر الإلكتروني، وكذلك الابتزاز العاطفي واختراق البيانات وسرقة الحسابات المصرفية ونشر المواد الإباحية، إذ يجب فرض عقوبات قاسية وغرامات رادعة، وتنفيذها بحزم لضمان أن يتحمل المتجاوزون مسؤولياتهم القانونية.
  2. تعزيز التوعية والتثقيف: يجب تعزيز التوعية حول أهمية الأمان الإلكتروني والوقاية من العنف الإلكتروني، إذ ينبغي توفير تدريبات وموارد تثقيفية للأفراد لمساعدتهم في التعرف على أشكال العنف الإلكتروني وكيفية التصدي لها، فيمكن توجيه الجهود التثقيفية لكافة الفئات العمرية، بدءاً من الأطفال وصولاً إلى البالغين، لتعزيز الوعي بأفضل الممارسات والاستراتيجيات للوقاية من العنف الإلكتروني.
  3. توفير الدعم النفسي والاجتماعي: يجب أن يتم توفير دعم نفسي واجتماعي للضحايا الذين تعرضوا للعنف الإلكتروني، إذ يمكن تقديم خدمات استشارية وعلاجية للمساعدة في التعامل مع الآثار النفسية والاجتماعية الناجمة عن العنف الإلكتروني، يشمل ذلك توفير مساحات آمنة للتحدث والتعبير عن التجارب والمشاعر، بالإضافة إلى توجيه الضحايا إلى الموارد المناسبة للمساعدة في التعافي والتقدم في حياتهم.
  4. تعاون دولي وشراكات مشتركة: يجب تعزيز التعاون الدولي لمكافحة العنف الإلكتروني، وتبادل المعلومات والخبرات بين الدول والمؤسسات المعنية، إذ يمكن إقامة شراكات مشتركة بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني للتصدي للعنف الإلكتروني بشكل شامل وفعال.
  5. توفير آليات للإبلاغ والتبليغ: يجب توفير آليات فعالة للإبلاغ عن حالات العنف الإلكتروني وتبليغها، حيث يمكن إنشاء خطوط ساخنة ومنصات إلكترونية خاصة لتلقي البلاغات والشكاوى، وضمان استجابة سريعة وفعالة لهذه البلاغات، يساهم ذلك في تمكين الضحايا من الإبلاغ عن التعديات التي تعرضوا لها والحصول على الدعم والمساعدة اللازمة.
  6. تعزيز الأمان الرقمي: ينبغي تعزيز الأمان الرقمي للأفراد والمؤسسات من خلال تبني إجراءات وسياسات تعزز الحماية الشخصية والخصوصية على الإنترنت، إذ يمكن توفير التحديثات الأمنية للبرامج والأجهزة وتعزيز الوعي حول أفضل الممارسات للحماية الشخصية عبر الإنترنت.
  7. تطوير أدوات تقنية لمكافحة العنف الإلكتروني: يمكن استخدام التكنولوجيا لمكافحة العنف الإلكتروني، بما في ذلك تطوير أدوات وبرامج تكنولوجية تساعد في رصد ومنع ومعالجة السلوكيات الضارة عبر الإنترنت، حيث يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات لتحديد أنماط العنف الإلكتروني واتخاذ إجراءات فورية لمنعه.

في ختام مقالنا حول العنف الإلكتروني وكيفية التعامل معه، نتوصل إلى أن العنف الإلكتروني يظهر تفشياً مقلقاً في عصرنا الحديث، حيث يتسبب في تأثيرات سلبية على الأفراد والمجتمعات، لذا يتطلب التصدي لهذه المشكلة التعامل الفعال والشامل معها. من خلال تفعيل قوانين الجرائم الإلكترونية وفرض عقوبات رادعة، يمكن تقليل حدوث العنف الإلكتروني وتحقيق العدالة للضحايا.

لذا، لنتحد جميعاً في التصدي للعنف الإلكتروني وتعزيز ثقافة الاحترام والتسامح على الإنترنت، فقط من خلال جهودنا المشتركة يمكننا بناء عالم رقمي يُعزز الاتصال والتعاون ويحقق التقدم والازدهار للجميع.

أقرأ ايضاً:


أنت مارأيك بالموضوع ؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *