يحث الإسلام المسلمين بشكل دائم على ذكر الله والدعاء له في كل حين، ويأتي دعاء العطاس ضمن أكثر الأدعية المستحبة والمتكررة يومياً، وذلك لما في العطاس من حكمة خفية يدفع بها الأذى عن الدماغ، الذي فيه قوة الفكر، وتنشأ منه أعصاب الإنسان، حيث بسلامته تسلم الأعضاء، فيظهر لنا أنه نعمة جليلة تستحق أن نقابلها بالحمد لله تعالى، لذا سنذكر لكم في مقالنا هذا دعاء العطاس، كما سنخص بالذكر دعاء العطاس للأطفال، وتشميت العاطس.
دعاء العطاس:
يدعو الإسلام المسلم أن ينتهز الفرص الطبيعية التي تتكرر كل يوم، ويقوم بترديد الأدعية كدعاء العطاس مثلاً، كي يقوي صلته بخالقه، ويسبحه ويحمده في كل الأوقات والأحوال، وفي سياق الحديث عن دعاء العطاس، فقد ورد عن سالم بن عبيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قال:
«إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ:” الْحَمْدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ”، أَو يقول : الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» رواه أحمد.
كذلك ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» رواه أبو داود والحاكم، ولو زاد: “رب العالمين” كان أحسن كفعل ابن مسعود رضي الله عنه، وإن قال: “الحمد لله على كل حال” كان أفضل كفعل ابن عمر رضي الله عنهما.
وقيل أيضاً انه يمكن أن يقول: “الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه”.
أما في حكم تحميد العاطس: فقد اتفق العلماء على أنه يسن للشخص العاطس إذا عطس أن يحمد الله سبحانه وتعالى فيقول: “الحمد لله”، حيث تجدر الإشارة أنه يُؤمر العاطس بالحمد لله، لأنَّ العُطاس نعمةٌ، والنِّعَمة تُقابل بالحمد، حيث أنَّ العطاس لو أنه امتنع لحصل الضَّرر على جسم الإنسان ودماغه، فإنَّ أهل العلم قد فسروا هذه الحالة أو الظَّاهرة بأنها أبخرة تتصاعد إلى الدِّماغ، فإذا عطس الشخص فإنَّ ذلك يستفرغ منه تلك المواد فيصح جسمه.
دعاء العطاس للأطفال:
أما إذا عطس الطفل الصغير، فيجب أن ندعو له دعاء العطاس، فإذا كان الطفل لا يفهم قول “الحمدلله”، ولا قول “يهديكم الله ويصلح بالكم”، فندعو له بالبركة والصلاح ونحو ذلك حتى لو لم يحمد الله، فنقول “بورك فيك”، أو “بارك الله فيك”، وهذا كما ورد عن عبدالله بن أحمد عن الحسن، عندما سئل عن دعاء تشميت العاطس للطفل الصغير، وزاد بعضهم فقالوا :وجبرك الله، وأصلحك الله، وما إلى ذلك.
حكم قول الحمد لله بعد العطس في الصلاة:
وفي إطار الحديث عن دعاء العطاس، وحمد الله، فالسؤال هنا إذا عطس شخص ما في الصلاة فهل يشرع له أن يحمد الله؟ فقد ورد في ذلك آراء كثيرة للعلماء، إليكم أهمها:
- لقد جاء في خبايا الزوايا للزركشي الشافعي: إذا عطس في الصلاة حمد الله تعالى بلسانه، وأسمع به نفسه ذكره في الروضة في آخر السير، ولكن الغزالي قد صرح في الإحياء بأنه يحمد في نفسه ولا يحرك لسانه أبدا”.
- وفي عمدة القاري للعيني: فقال مالك: ومن عطس في الصلاة حمد في نفسه، لكن خالفه سحنون فقال ولا في نفسه أيضا”.
- أما الراجح أنه من عطس في صلاته فإنه يحمد الله تعالى ويحرك بذلك لسانه لثبوت السنة الصحيحة بذلك.
- أما العلامة ابن باز رحمه الله فقد قال: نعم، يشرع له أن يحمد الله، لأنه ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع من يحمد الله بعد عطاسه في الصلاة فلم ينكر عليه، إنما قال : لقد رأيت كذا وكذا من الملائكة كلهم يبتدرونها أيهم يكتبها، ولأن حمد الله من جنس ذكر الصلاة، وليس بمناف لها.
- بالإضافة إلى أن تشميت المسلم إذا عطس فلا يجوز لمن هو في الصلاة، ذلك لأنه لا يصلح في الصلاة شيء من كلام الناس أبدا”.
- وأما بالنسبة لإجابة المصلي لمن شمته، فلا تجب بل ولا تستحب أبدا”، وقال بعض الشافعية بجواز أن يجيب بقوله يرحمه الله أي بهاء الغيبة لئلا يكون فيه خطاب آدمي، وأما إجابته بالإشارة فلا نعلم من ذكرها من أهل العلم، وإنما يذكرون رد المصلي بالإشارة على من سلم عليه لثبوت ذلك في الأحاديث الشريفة.
تشميت العاطس:
يتوجب على المسلم، عندما يسمع أخاه يقول دعاء العطاس، ويحمد الله تعالى أن يقوم بتشميته، والتشميت هو الدعاء بالخير والبركة للعاطس، حيث اتفق الفقهاء على مشروعيته، ولكن اختلفوا في درجتها، حيث إن حمد العاطس سنة، وذهب الجمهور إلى أن التشميت واجب، وسنة عند الشافعية، لما قاله أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ: يَرْحَمُكَ اللهُ» رواه البخاري، وكذلك اعتبر الرد على تشميت العاطس سنة أيضا”.
صيغة التشميت:
وردت بعدت ألفاظ كأن يقول المسلم لأخيه العاطس: “يرحمك الله”، أو” يغفر الله لنا ولكم “، او”عافانا الله وإياكم من النار، يرحمكم الله”، وإما ” يرحمنا الله وإياكم ويغفر لنا وإياكم”. وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُل: الْحَمْدُ للهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» رواه البخاري. وستثننى من الأمر بتشميت العاطس ما يلي:
- من لم يحمد الله بعد عطاسه، فشرط التشميت حمد الله، وقد روى البخاري عن أنس أنه قال: عطس رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فشمت أحدهما، ولم يشمت الآخر، فقيل له: فقال: ” هذا حمد الله، وهذا لم يحمد الله ” وهذا أمر مجمع عليه.
- المزكوم إذا تكرر العطاس منه فزاد عن الثلاث مرات، وذلك أن المزكوم قد يقوم بالعطاس عدد كثير من المرات، فيشق على جليسه أن يقوم بتشميته كل مرة، وإذا لم يدع له بدعاء العاطس المشروع، فيمكنه أن يدعو له بدعاء يناسب، كالدعاء بالعافية والشفاء والصحة وهكذا.
- الكافر أيضاً، فقد قال أبو موسى الأشعري: كانت اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء منه أن يقول:” يرحمكم الله “فكان يقول:” يهديكم الله ويصلح بالكم” (أخرجه أبو داود وصححه الحاكم كما قال الحافظ)، وهذا يعني أن لهم تشميتًا مخصوصًا، وليسوا مستثنين تماما” من مطلق التشميت.
- من عطس والإمام يخطب بالناس يوم الجمعة، لما ورد من منع الكلام والإمام يخطب، وإمكانية تدارك التشميت للعاطس بعد فراغ الخطيب من خطبته.
وتجدر الإشارة أن الحكمة من تشميت العاطس، أكدها القاضي ابن العربي بأن العاطس ينحل كل عضو في رأسه وما يتصل به من العنق ونحوه، فكأنه إذا قيل له: “يرحمك الله”، فمعناه: أعطاك الله رحمة يرجع بها جسمك إلى حالته قبل العطاس، ويقيم على حاله كما هو من غير تغيير.
وفي الختام، فإن الدعاء سيبقى الطريقة السليمة للتقرب من الله وحمده وتسبيحه، والإقرار بقدرته وعظيم خلقه، فنأمل أن ترددوا دعاء العطاس وتشمتوا العاطسين دائما”، لكي يرحمنا الله وإياكم جميعاً.