تعتبر الأسرة الوحدة الأساسية في المجتمع، فهي المكان الذي يتعلم فيه الأفراد أولى دروس الحب والتعاون والتسامح، وحتى تكون الأسرة متماسكة وقوية، فإنها تحتاج إلى أسس ومبادئ توجهها وتساعدها على التعامل مع التحديات والمشاكل التي تواجهها. إذ تتمحور أهمية مبادئ بناء أسرة متماسكة وقوية حول تأسيس بيئة صحية ومستدامة تساعد الأفراد على النمو والتطور الشخصي، كما أن توفر هذه المبادئ يعزز التواصل الصحي والتفاهم بين أفراد الأسرة، ويساهم في تعزيز العلاقات العاطفية والروابط العائلية، لذا سنقدم لكم في هذا المقال أهم مبادئ بناء أسرة متماسكة وقوية.
مبادئ بناء أسرة متماسكة وقوية:
بناء أسر قوية ومتينة من أهم الأمور التي تستحق التخطيط والجهد وذلك لأهمية بناء أسرة سليمة في المجتمعات، وبالنسبة للمرأة لديها دور حيوي في تحقيق هذا الهدف، إذ يمكنها المساهمة من خلال مبادئ بناء أسرة متماسكة وقوية وفقاً لما يلي:
1- وضع قواعد وأنظمة:
يتعرض الأطفال في كثير من الأحيان للاستغلال الذي ينتهجهوه أثناء انشغال والديهم في أعمالهم الشخصية، حيث يقومون بضرب إخوانهم أو أخواتهم، ويتصرفون بالصياح والصراخ والقفز على الأثاث المنزلي، ويظهرون سلوكيات مزعجة أخرى، ولوقف مثل هذه التصرفات، يجب وضع قواعد وأنظمة أخلاقية تترسخ في نفوس الأطفال وتمنعهم من القيام بالتصرفات غير المقبولة، حتى وإن كان الوالدين مشغولين بعمل هامم.
وعلى العكس مما يعتقده البعض، فإن الأطفال يحبون القواعد والتعليمات، على الرغم من أنهم قد لا يعترفون بهذا الأمر، حيث يشعر الأطفال بالراحة والأمان والحب عند وجود قواعد عائلية، وعند وضع هذه القواعد والالتزام بها، يكون للأطفال توقعات واضحة بشأن تبعات اتباعها أو خرقها، فعلى سبيل المثال، إذا علم الطفل أنه إذا صرخ أو أصدر أصواتاً عالية أثناء مكالمة والدته بالهاتف، سيُرسل إلى غرفته لمدة خمس دقائق، فإنه سيتعلم ألا يصرخ أو يصدر أصواتاً عالية.
لكن يجب أن ندرك أن الالتزام بمبادئ وقواعد معينة يمثل تحدياً للبشر وخاصة بالنسبة للأطفال، فقد لا يحب الأطفال القواعد في البداية، ولكن مع مرور الوقت سيتعلمون احترامها والالتزام بها، وسيشعرون بالراحة والأمان عند وجودها، لذا يعتبر وضع أنظمة وقواعد من أهم مبادئ بناء أسرة متماسكة وقوية.
2- بناء القيمة الذاتية لكل فرد في العائلة:
فيما يتعلق ببناء القيمة الذاتية لكل فرد في العائلة، يحدث غالباً أن الأم وهي مشغولة بأعمالها ومسؤولياتها، تهمل زوجها أو أحد أطفالها وتفتقر إلى تقديم الرعاية اللازمة لهم، هذا الإهمال قد يتسبب في إحباطهم وينعكس على سلوكياتهم، ويعكس نموذجاً للإهمال لاحتياجات أحد أفراد العائلة.
لذلك عليك أن تدركي أن كل فرد في أسرتك بحاجة إلى أن يشعر بأنه له قيمة وأهمية، إذ يحتاج أزواجنا إلى الحب والاهتمام والتعاون والتشجيع لتحقيق طموحاتهم المهنية، وأطفالنا يحتاجون إلى العطف والرعاية والتوجيه، ويجب أن نشاركهم في مناسباتهم المختلفة وأنشطتهم المدرسية، كما يجب أيضاً أن نقوم بتقديم التقدير والثناء عليهم أمام الآخرين عندما يظهرون تفوقاً في مجال ما، لأن هذه الأشياء تساعد في بناء القيمة الذاتية للطفل والتي تعتبر من أهم مبادئ بناء أسرة متماسكة وقوية.
3- وضع الأهداف التي يمكن تحقيقها:
توجد تركيبات مختلفة للعائلات، فقد تكون العائلة مكونة من الأب والأم فقط، وهناك أخرى تشمل الأب والأم والأبناء، وهناك أيضاً العائلة الممتدة التي تضم الأجداد والأجداد.
بغض النظر عن حجم أو شكل عائلتك، فإنه من الضروري وضع أهداف والتخطيط لتحقيقها مع أفراد عائلتك، فعندما يكون للأشخاص نفس القيم ويعملون معاً لتحقيق هدف مشترك، يتعلمون مهارات مثل الحب المتبادل وروح العمل الجماعي والتعاون والانسجام.
وبدون وجود أهداف مشتركة للعائلة، فإن كل فرد قد يتجه في اتجاه مختلف وقد ينشأ الخلاف والانقسام، لذا يجب أن تحرصي على عدم السماح لذلك الوضع أن يحدث في عائلتك، ويجب أن تبدأوا في وضع أهداف مشتركة تسعى لتحقيق أقصى قدر من السعادة لجميع أفراد العائلة.
وفيما يلي بعض الأمثلة على الأهداف التي يمكن وضعها في العائلة:
- توفير المال لأداء فريضة الحج أو العمرة.
- توفير المال لقضاء إجازة مشتركة للعائلة.
- تجديد أو تنظيف جزء مهمل في المنزل.
- اختيار سكن جديد مشترك أو شراء سيارة جديدة.
- العمل المشترك لمساعدة أحد أفراد العائلة في مشكلة صعبة.
- اختيار الأهداف التي يمكن تحقيقها من خلال العمل المشترك والتعاون.
- عند وضع الأهداف يجب أن تكون قابلة للقياس ومحددة بشكل واضح، ويجب أن يتم تحديد خطوات فعلية لتحقيقها، كما يجب أن تكون الأهداف ملائمة وواقعية وقابلة للتحقيق في إطار زمني محدد.
4- أنشطة العائلة:
توفير الوقت لأنشطة العائلة هو أمر مهم لتعزيز الروابط والتواصل بينك وبين زوجك وأطفالك، فإذا كنت متزوجة يمكنك تخصيص فترات زمنية لقضاء وقت سعيد مع زوجك وأولادك، وإذا لم تكوني متزوجة يمكنك قضاء هذه الأوقات مع أفراد عائلتك، حيث تكون لحظات التواصل في تجمعات العائلة هي الأكثر راحة وسعادة.
يجب عليك تخطيط أنشطة العائلة ودمج أفراد العائلة في الاحتفالات والمناسبات، من خلال تعزيز الروابط العائلية عبر حضور جمعيات العمات والخالات والأعمام والأخوال في حفلات العشاء أو تناول المرطبات والحلويات، أو حتى لمناقشة الأمور العائلية المختلفة. ويجب أن تدركي أن لقاء الأطفال بأقاربهم سيساهم في بناء صداقات وتكوين ذكريات سعيدة، يمكنك أيضاً تخصيص ليلة في الأسبوع لتجمعكم كعائلة حيث يمكنكم مشاركة قصص وحكايات، أو قراءة مقتطفات من كتاب، أو حتى مناقشة وتبادل الآراء مع زوجك وأطفالك، ويجب أن تظهري المحبة والتقدير بينك وبين زوجك أمام الأطفال، فهذا الشعور بالأمان والطمأنينة يعززهم ويجعلهم يشعرون أن منزلهم هو مكان مليء بالحب والسعادة. استغلي الليالي العائلية لمتابعة تقدمكم في تحقيق أهداف العائلة ووضع خطط للمستقبل.
5- اكتشاف مواطن القوة والضعف:
يعتني الكثير من الآباء والأمهات بالتواصل والمناقشة مع أطفالهم حول مدرستهم وأصدقائهم وأحلامهم وطموحاتهم، وبالطبع يتم ذلك بشكل محادثة وليس استجواب، لذا عليكي أن تتعلمي سيدتي كيفية اكتشاف مواهب أطفالك المكتومة ومساعدتهم في تطويرها لتحقيق أهدافهم المستقبلية، وحاولي أن تفهمي نقاط ضعف أطفالك لكي تتمكني من تقديم المساعدة لهم، فعلى سبيل المثال، يمكن أن يكون بعض الأطفال متحمسين للتنافس بينما يفضل آخرون عدم المشاركة في المنافسات، لذا من المهم ألا نضغط على طفل لا يحب التنافس للمشاركة في أنشطة تتطلب المنافسة بشكل قسري.
بعض الآباء يميلون إلى عيش حياتهم من خلال أبنائهم ويحاولون إعادة عيش أيام شبابهم الماضية، وقد يكون هذا ناجحاً مع بعض الأبناء، ولكنه قد يؤثر سلباً على تقدير الذات لدى آخرين.
تعلمي كيفية اكتشاف نقاط القوة والضعف لكل فرد في عائلتك لتساعدهم في تطوير مواهبهم، ولاحظي أن ذلك لن يساعدهم فقط في بناء ثقتهم بأنفسهم، بل سيظهر أيضاً حبك الكبير لهم واهتمامك بهم.
قواعد الأسرة المثالية:
لتكون الأسرة مثالية، هناك العديد من القواعد التي يجب مراعاتها وفقاً لما يلي:
- التواصل الجيد: يعتبر التواصل الفعّال أحد أهم العوامل في بناء العلاقات القوية داخل الأسرة، إذ يجب على أفراد الأسرة أن يكونوا قادرين على التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بصراحة واحترام، وأن يكونوا مستعدين للاستماع بعناية لآراء الآخرين.
- التفاهم والاحترام: يجب على أفراد الأسرة أن يحترموا بعضهم البعض وأن يتعاونوا معاً لحل المشكلات والصعوبات، إذ يجب أن يكون هناك تفاهم متبادل وقبول لاختلافات الآراء والاحتياجات الشخصية.
- قضاء وقت مشترك: يعتبر قضاء وقت مشترك ممتع ومفيد أمر هام لتعزيز الترابط العائلي، إذ يمكن للعائلة أن تقوم بأنشطة مشتركة مثل تناول الطعام معاً، أو ممارسة الرياضة، أو السفر، أو اللعب معاً، حيث يساهم هذا الوقت المشترك في بناء ذكريات إيجابية وتعزيز العلاقات.
- التعاون والمساهمة: يجب أن يشعر كل فرد في الأسرة بأنه جزء مهم وفاعل في العملية العائلية، يمكن تعزيز ذلك من خلال تشجيع الجميع على المساهمة في القرارات والمهام المنزلية والأنشطة العائلية، حيث يكون العمل المشترك والتعاون مفتاحاً لتعزيز الروابط العائلية.
في ختامنا لهذا الموضوع الهام حول مبادئ بناء أسرة متماسكة وقوية، ندرك أن الأسرة هي أساس المجتمع وأهم ركائزه، لذا يجب أن نعمل جميعاً على تطبيق هذه المبادئ والالتزام بها لبناء أسر قوية ومتماسكة تحقق السعادة والاستقرار وراحة البال لنرتقي بمجتمعاتنا إلى أهداف سامية.