مستقبل البنوك الرقمية في الإمارات يبدو واعداً، حيث تتجه الدولة نحو تعزيز الابتكار المالي وتبني التكنولوجيا الحديثة بشكل متسارع. وقد ساهمت رؤية الإمارات لعام 2021 في تعزيز الاقتصاد الرقمي، وهذا ما دفع البنوك إلى تطوير خدماتها وتقديم حلول مصرفية أكثر مرونة وسهولة. وفي ظل التحولات الرقمية السريعة، أصبحت تجربة العملاء محوراً رئيسياً، وهذا ما استدعى من المؤسسات المالية إعادة التفكير في استراتيجياتها. لذلك سنستعرض في هذا المقال التوجهات المستقبلية للبنوك الرقمية في الإمارات، التحديات التي تواجهها، والفرص التي يمكن استغلالها لتعزيز مكانتها في السوق المالية العالمية.
مستقبل البنوك الرقمية في الإمارات
تُعزز البنوك الرقمية من مكانة دولة الإمارات كمركز رئيسي للاقتصاد الرقمي على مستوى المنطقة والعالم، فهي تسهم في إنشاء نظام مالي رقمي قوي يوفر خدمات مصرفية وتجربة مستخدم عالمية المستوى، مما يضع أسس اقتصاد المستقبل.
كما ويؤكد الخبراء أن هذه البنوك والمنصات المالية الرقمية تقدم مزايا عديدة للعملاء، بدءاً من إجراءات سلسة وآليات سريعة لفتح الحسابات، وصولاً إلى خدمات مصرفية مبتكرة بأسعار تنافسية. أيضاً تسهل هذه البنوك إجراءات مثل الموافقة الرقمية التلقائية على القروض، مما يمنحها فرصة التوسع في أسواق جديدة. تشير الدراسات المصرفية إلى أن حوالي واحد من كل خمسة عملاء فرديين في دولة الإمارات يملك حالياً حساباً في بنك رقمي، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا العدد في السنوات القليلة المقبلة.
اقرأ أيضاً: أفضل البنوك الرقمية في الإمارات
حلول في ثلاثة قطاعات
أعلنت منصة Wio Bank PJSC مؤخراً عن إطلاقها الرسمي في دولة الإمارات، لتصبح أول منصة مالية متكاملة من نوعها في المنطقة، حيث يهدف هذا الإطلاق إلى إحداث نقلة نوعية في نماذج التشغيل المصرفية، مع التركيز على التحول الرقمي المستقبلي.
تقدم المنصة الجديدة حلولاً في ثلاثة قطاعات رئيسية: التطبيقات المصرفية الرقمية، التمويل المدمج، والحلول المصرفية كخدمة، كما تطلق Wio مجموعة من التطبيقات المصرفية الرقمية التي تستهدف الأفراد والشركات، مما يتيح لهم الوصول السهل والسريع إلى الخدمات المصرفية، ويساعدهم على إدارة حياتهم الشخصية والتجارية بكفاءة من خلال توفير الأفكار والمعلومات والأدوات اللازمة. تعتبر Wio منصة مصرفية رقمية متكاملة، مملوكة لكل من “القابضة” (ADQ)، “ألفا ظبي القابضة”، “اتصالات”، وبنك أبوظبي الأول (FAB)، برأسمال أولي قدره 2.3 مليار درهم.
للأفراد والشركات
يقدم بنك “زاند” الرقمي خدمات مصرفية متميزة للأفراد والشركات، بعد حصوله في يوليو الماضي على ترخيص من مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي لممارسة الأعمال المصرفية كبنك تجاري يحمل اسم “زاند بنك”. تشمل خدمات “زاند” الموجهة للشركات مجموعة متنوعة من المنتجات والحلول المصممة لتعزيز التجربة الرقمية في الخدمات المصرفية، تبدأ هذه الخدمات بإجراءات سلسة وآليات سريعة لفتح الحسابات، وصولًا إلى عمليات الموافقة الرقمية التلقائية على القروض، مما يمكّن عملائه من الشركات من التحكم الكامل في معاملاتهم المصرفية. كما يعمل “زاند” على تفعيل شراكتها الاستراتيجية مع الشركات الإقليمية والدولية، بهدف تقديم تجربة مصرفية متكاملة تدعمها مزايا الأمان والشفافية والسهولة.
خدمات للمشروعات الصغيرة والمتوسطة
حصل “بنك المارية المحلي” في أبريل 2021 على الموافقة الرسمية من الجهات الرقابية المصرفية في الدولة، ليصبح أول مصرف متخصص في دولة الإمارات والمنطقة، يركز على خدمة المجتمع المحلي.
يتميز البنك بتقديم منصة خدمات رقمية متكاملة توفر منتجات مصرفية تعمل وفقاً لأفضل المعايير في مجال التكنولوجيا المالية.
يؤكد البنك التزامه بخدمة الأفراد والشركات على حد سواء، مع توظيف مفاهيم التفكير المستقبلي والتنمية المستدامة، التي تعتمد على الابتكار والتكنولوجيا.
ويمكن للعملاء فتح حساب بشكل آمن خلال دقائق، والاستمتاع بخدمات مصرفية ذكية وعصرية بفضل البنية التحتية السريعة والمرنة التي تم تطويرها بعناية، حيث يعتمد البنك على تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدم والربط الإلكتروني مع منصة الحكومة الذكية لدولة الإمارات.
تتمحور مجموعة المنتجات والخدمات المالية التي يقدمها البنك حول تلبية احتياجات الشركات الصغيرة والمتوسطة، مما يعزز كفاءة الإدارة المالية ويساهم في نموها وازدهارها، كما يوفر خيارات وخطط مالية ذكية تدعم تحقيق أهداف الادخار والاستثمار للمواطنين والمقيمين في الدولة.
متطلبات تنظيمية
وفقاً لدليل ترخيص البنوك الرقمية في سوق أبوظبي العالمي، يُعرف البنك الرقمي بأنه بنك يقبل الودائع ويقدم أنشطة خدمات مالية أخرى عبر الوسائل الإلكترونية أو الرقمية، بدلاً من التفاعل المباشر مع العملاء. تشير سلطة تنظيم الخدمات المالية إلى أن البنوك الرقمية تواجه مخاطر محددة، تشمل تكنولوجيا المعلومات، والأمن السيبراني، بالإضافة إلى المخاطر التشغيلية المتزايدة، كما تواجه هذه البنوك المخاطر التقليدية المعروفة التي تعاني منها المؤسسات المالية التقليدية، مثل مخاطر الائتمان، والسوق، ومعدل الفائدة، ومخاطر السيولة.
إليك أيضاً: تجارب العملاء مع البنوك في الإمارات
تقليل التكاليف والرسوم
توقع يوسف السويدي، الخبير المصرفي، أن يساهم نجاح البنوك الرقمية في إحداث تغييرات جوهرية في أساليب عمل البنوك التقليدية ذات الفروع. حيث يُرجح أن تكتفي هذه البنوك بعدد محدود من الفروع، مما سيساعد في تقليل التكاليف التشغيلية المرتبطة بالإيجارات ورواتب الموظفين، بالإضافة إلى توفير البنية التحتية والتكنولوجية اللازمة للتشغيل. وأشار السويدي إلى أن مفهوم البنوك الرقمية نشأ في الأصل لتلبية احتياجات جيل الألفية والشباب، الذين يفضلون استخدام التكنولوجيا كوسيلة سهلة وسريعة لإجراء المعاملات، خصوصًا في مجال الخدمات المصرفية.
فوائد البنوك الرقمية
أوضح السويدي أن الأفراد سيستفيدون من البنوك الرقمية من خلال تقليل رسوم الخدمات المختلفة أو تقديم خدمات جديدة تنافسية، فقد كان العملاء يتحملون في السابق التكاليف التشغيلية المرتفعة المرتبطة برواتب الموظفين وتشغيل الفروع، كما نفى السويدي أن يمثل التعامل مع البنوك الرقمية المستقلة بالكامل نوعًا من المخاطرة، مؤكدًا أنها مرخصة من مصرف الإمارات المركزي وتخضع للمعايير والرقابة الصارمة نفسها التي تخضع لها البنوك التقليدية.
الخدمات الرقمية
قال طارق قاقيش، الخبير المالي، إن البنوك الرقمية تعود بالنفع على القطاع المصرفي بشكل عام من خلال جذب مزيد من العملاء وتوفير خدمات رقمية ذكية. وقد ساهمت جائحة “كوفيد-19” في تسريع التحول نحو هذه الخدمات، مما أكد على أهميتها وفعاليتها، وأعرب قاقيش عن اعتقاده بأن المرحلة التالية من التطور في الخدمات المصرفية تتمثل في الانتقال من الخدمات المصرفية التقليدية عبر الإنترنت إلى المنصات المصرفية الرقمية المتكاملة. كما شدد على أن التعامل مع البنوك والمنصات الرقمية المستقلة لا يمثل مخاطرة للعملاء الأفراد، نظرًا لتطور القوانين والتشريعات ورقابة المصرف المركزي، التي تهدف جميعها إلى حماية أموال المودعين والعملاء.
فرص لتعزيز مكانة البنوك الرقمية الإماراتية في السوق المالية العالمية
تشهد البنوك الرقمية في الإمارات تحولًاً ملحوظاً في ظل التطورات التكنولوجية السريعة والاحتياجات المتزايدة للعملاء. توفر هذه البيئة المواتية مجموعة من الفرص الاستثنائية لتعزيز مكانة البنوك الرقمية في السوق المالية العالمية. من أبرز هذه الفرص:
- توسيع نطاق الخدمات الرقمي: تطوير خدمات مبتكرة مثل التمويل الشخصي، والتأمين، والاستثمار، مما يجذب شريحة واسعة من العملاء.
- شراكات الاستراتيجية: التعاون مع شركات التكنولوجيا المالية العالمية لتعزيز قدرات الابتكار وتوفير حلول مصرفية متقدمة.
- السوق الإقليمي: استغلال الموقع الاستراتيجي لدولة الإمارات كنقطة انطلاق لدخول الأسواق الإقليمية، خاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
- تعزيز الأمن السيبراني: الاستثمار في تقنيات الأمان السيبراني لبناء ثقة العملاء وضمان حماية البيانات المالية.
- التوجه نحو الاستدامة: تقديم منتجات مالية مستدامة تدعم المشاريع البيئية والاجتماعية، مما يعزز من سمعة البنوك الرقمية.
- التكنولوجيا المتقدمة: استخدام تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات لتحسين تجربة العملاء وتقديم خدمات مخصصة.
- التوجه نحو العملاء: تحسين تجربة العميل من خلال واجهات مستخدم سهلة وفعالة، مما يزيد من ولاء العملاء.
- توسع في خدمات الشركات الصغيرة والمتوسطة: تقديم حلول مالية تناسب احتياجات الشركات الصغيرة والمتوسطة، مما يعزز من قاعدة العملاء ويزيد من العائدات.
- البنية التحتية الحكومية: الاستفادة من المبادرات الحكومية الداعمة للتحول الرقمي، مثل “استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي”.
- التوعية والتثقيف المالي: تعزيز التثقيف المالي بين الشباب والمجتمعات المحلية لزيادة الوعي حول الخدمات المصرفية الرقمية. من خلال استغلال هذه الفرص، يمكن للبنوك الرقمية الإماراتية تعزيز مكانتها في السوق المالية العالمية والمنافسة بفعالية.
في الختام، يمثل مستقبل البنوك الرقمية في الإمارات مرحلة جديدة من التطور في القطاع المصرفي، مدعوماً بالتكنولوجيا المتقدمة والرؤية الاستراتيجية للحكومة. فمع استمرار التحول نحو الخدمات الرقمية، تبرز الفرص لتعزيز الكفاءة، وتحسين تجربة العملاء، وتلبية احتياجات السوق المتغيرة. كما أن التزام البنوك بتبني الابتكار والاستثمار في الأمن السيبراني سيساهم في بناء الثقة وتعزيز العلاقة مع العملاء.
ومع تزايد الطلب على الحلول المصرفية الرقمية، يتوقع أن تصبح الإمارات مركزاً رائداً في هذا المجال، مما يسهم في تعزيز مكانتها في السوق المالية العالمية.
